فصل: الْبَابُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْأَبَّارِينَ والمسلاتيين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم القربة في طلب الحسبة



.الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ فِعْلُهُ:

يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِلْأَسْوَاقِ يَرْكَبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَدُورُ عَلَى السُّوقَةِ وَالْبَاعَةِ وَيَكْشِفُ الدَّكَاكِينَ وَالطُّرُقَاتِ وَيَتَفَقَّدُ الْمَوَازِينَ وَالْأَرْطَالَ وَيَتَفَقَّدُ مَعَائِشَهُمْ وَأَطْعِمَتَهُمْ وَمَا يَغُشُّونَهُ وَيَفْعَلَ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ وَاللَّيْلِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَذَلِكَ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْهُمْ وَيَخْتِمَ فِي اللَّيْلِ حَوَانِيتَ مَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْكَشْفِ عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ وَلْيَكْشِفْهُ بَاكِرَ النَّهَارِ.
وَإِذَا أَرَادَ الْمُحْتَسِبُ أَنْ يَكْشِفَ فَلْيَكُنْ مَعَهُ أَمِينٌ عَارِفٌ ثِقَةٌ يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَعْتَمِدُ فِي الْكَشْفِ إلَّا عَلَى مَا يَظْهَرُ لَهُ وَيُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يُهْمِلُ كَشْفَ الْأَسْوَاقِ فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى الْوَزِيرَ وَقَّعَ إلَى مُحْتَسِبٍ كَانَ فِي وَقْتِ وِزَارَتِهِ يُكْثِرُ الْجُلُوسَ فِي دَارِهِ بِبَغْدَادِ الْحِسْبَةُ لَا تَحْتَمِلُ الْحَجَبَةَ فَطُفْ الْأَسْوَاقَ تَحِلَّ لَك الْأَرْزَاقُ وَاَللَّهِ إنْ لَزِمْت دَارَك نَهَارًا لَأَضْرِمَنَّهَا عَلَيْك نَارًا وَالسَّلَامُ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَحْكُمَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَيُخَوِّفُ بِمَا لَا يَسُوغُ لَهُ شَرْعًا وَيُهَدِّدُ الْجَانِي بِهِ وَيُظْهِرُ لِلنَّاسِ فِعْلَهُ وَفِي ذَلِكَ نَفْعٌ كَبِيرٌ عَامٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مَا أَخْبَرَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّيَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَانَتْ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا فَجَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إحْدَاهُمَا فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِك وَقَالَتْ الْأُخْرَى إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِك فَتَحَاكَمَا إلَى دَاوُد فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى وَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِي بِسِكِّينٍ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا وَقَالَتْ الصُّغْرَى لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُك اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى».
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاَللَّهِ إنْ سَمِعْت بِالسِّكِّينِ إلَّا يَوْمَئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ إلَّا الْمُدْيَةَ، قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ الْحُكْمِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ لِلْمُتَوَلِّي إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الصِّحَّةُ فِيمَا طَلَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ أُمَّ الصَّغِيرِ فَأَمَرَ بِطَلَبِ السِّكِّينِ وَأَظْهَرَ لَهُمَا شَقَّهُ وَتَحَقَّقَ أَنَّ الْوَالِدَةَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَطِيبُ خَاطِرُهَا بِفِعْلِ ذَلِكَ وَلَا يَسَعُهَا السُّكُوتُ عَنْهُ فَقَالَتْ الصُّغْرَى لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُك اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا لِأَنَّهَا اخْتَارَتْ أَنْ تَأْخُذَهُ الْكُبْرَى وَلَا يُشَقُّ لِحُنُوِّهَا فَعَلِمَ سُلَيْمَانُ أَنَّهُ وَلَدُهَا فَقَضَى بِهِ لَهَا وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ التَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ وَالْإِرْهَابِ بِمَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لِيَصِلَ الْمُتَوَلِّي إلَى فِعْلِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ شَقُّهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ سُلَيْمَانُ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمَا نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْإِرْهَابِ مِنْ بَابِ السِّيَاسَةِ وَالْمَعْرِفَةِ حَتَّى ظَهَرَ لَهُ أَمْرُهَا.

.فَصْلٌ فِي اتِّخَاذِ الْمُحْتَسِبِ رُسُلًا وَغِلْمَانًا وَأَعْوَانًا بَيْنَ يَدَيْهِ:

وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَّخِذَ رُسُلًا وَغِلْمَانًا وَأَعْوَانًا بَيْنَ يَدَيْهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ دَائِمًا إنْ كَانَ جَالِسًا أَوْ رَاكِبًا فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِحُرْمَتِهِ وَأَوْفَرُ لِهَيْبَتِهِ وَأَعَانَهُ النَّاسُ عَلَى طَلَبِ غُرَمَائِهِمْ وَخَلَاصِ الْحَقِّ مِنْهُمْ وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعِفَّةُ وَالصِّيَانَةُ وَالنَّهْضَةُ وَالشَّهَامَةُ وَيُؤَدِّبُهُمْ وَيُهَذِّبُهُمْ وَيُعَرِّفُهُمْ كَيْفَ يَتَصَرَّفُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَيْفَ يَخْرُجُونَ فِي طَلَبِ الْغُرَمَاءِ وَأَنَّهُمْ لَا يُعْرِفُونَ الْخَصْمَ الَّذِي طُلِبَ لِمَاذَا طُلِبَ لِئَلَّا يَتَفَكَّرَ فِي حُجَّةٍ يَتَخَلَّصُ بِهَا فَإِذَا طَلَبَ شَخْصًا بِعِدَّتِهِ وَآلَتِهِ فَلْيُحْضِرُوهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي وَجَدُوهُ عَلَيْهَا وَلَا يُمَكِّنُوهُ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ أَرْطَالِهِ شَيْئًا فِي الدُّكَّانِ وَلَا يُودِعُ مِنْهَا شَيْئًا فِي طَرِيقِهِ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَوَجَدُوهُ بِلَا زُنَّارٍ إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ بِلَا عَلَامَةٍ إنْ كَانَ يَهُودِيًّا فَلْيُحْضِرُوهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي وُجِدَ عَلَيْهَا حَتَّى يُعَاقِبَهُ الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا يَرَاهُ مِنْهُ وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الرُّسُلِ فِي طَلَبِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إلَّا بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْمُحْتَسِبِ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَخْرُجْ بِعَزْمٍ وَقُوَّةِ نَفْسٍ حَادَّةٍ وَيَطْلُبُ الْخَصْمَ بِسُرْعَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُرْعِبُهُ وَيُخَوِّفُهُ وَيَرْدَعُهُ فَإِذَا حَضَرَ إلَى بَيْنَ يَدِي الْمُحْتَسِبِ وَوَجَدَ لِينًا وَرِفْقًا فَرَغِبَ فِي الْحَقِّ وَتَعَرَّفَ بِهِ بَعْدَ مَا كَانَ قَصْدُهُ جُحُودَهُ وَيَتُوبُ عَنْ الذَّنْبِ بَعْدَ مَا كَانَ مُصِرًّا عَلَيْهِ وَإِذَا أَمَرَهُمْ بِتَأْخِيرِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لِلتَّأْدِيبِ أَخَّرُوهُ وَلَا يَكْشِفُوا رَأْسَهُ حَتَّى يَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ وَإِذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ يَنْظُرُوا قَصْدَهُ هَلْ بِالسَّوْطِ أَوْ بِالدِّرَّةِ فَإِنَّ كُلَّ إنْسَانٍ أَدَبُهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَيُنَاسِبُ وَذَنْبَهُ وَمَا يَلِيقُ بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى مَا يَرَاهُ مِنْ التَّعْزِيرِ مِنْ ضَرْبٍ وَصَفْعٍ وَحَبْسٍ وَلَوْمٍ وَتَوْبِيخٍ، وَالْمَنْقُولُ الْعَفْوُ فِي حَقِّ اللَّهِ دُونَ حَقِّ الْآدَمِيِّ.

.الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا بَلَغَ الْمُحْتَسِبَ أَمْرٌ وَتَرَكَهُ:

وَإِذَا بَلَغَ الْمُحْتَسِبَ أَمْرٌ وَتَرَكَهُ أَثِمَ وَإِنْ تَكَرَّرَ شَكْوَى ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ لَهُ بِحَقِّهِ سَقَطَتْ وِلَايَتُهُ شَرْعًا أَوْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْحِسْبَةِ وَسَقَطَتْ مُرُوءَتُهُ وَعَدَالَتُهُ وَلَا يَبْقَى مُحْتَسِبًا شَرْعًا وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ يَرْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ إدْرَارُ رِزْقِهِ الَّذِي يَكْفِيه وَتَعْجِيلُهُ وَبَسْطُ يَدِهِ وَتَرْكُ مُعَارَضَتِهِ وَالشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ مِنْ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى أَصْحَابِ السُّفُنِ وَالْمَرَاكِبِ:

يُؤْخَذُ عَلَى أَصْحَابِ السُّفُنِ وَالْمَرَاكِبِ أَلَّا يَحْمِلُوهَا فَوْقَ الْعَادَةِ خَوْفَ الْغَرَقِ وَكَذَلِكَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ السَّيْرِ وَقْتَ هُبُوبِ الرِّيَاحِ وَاشْتِدَادِهَا وَإِذَا حَمَلُوا فِيهَا النِّسْوَانِ مَعَ الرِّجَالِ حَجَبُوا بَيْنَهُمَا بِحَائِلٍ.

.الْبَابُ الخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى بَاعَةِ قُدُورِ الْخَزَفِ وَالْكِيزَانِ:

يُؤْخَذُ عَلَى بَاعَةِ قُدُورِ الْخَزَفِ وَالْكِيزَانِ وَالْأَوَانِي بِأَنَّهُمْ لَا يَطْلُونَ مَا كَانَ مَثْقُوبًا مِنْهَا أَوْ مَشْقُوقًا بِالْجِبْسِ الْمَعْجُونِ بِالشَّحْمِ وَبَيَاضِ الْبَيْضِ وَالْخَزَفِ الْأَحْمَرِ الْمَسْحُوقِ وَيَبِيعُونَهُ عَلَى أَنَّهُ سَالِمٌ فَإِذَا وَجَدَ عِنْدَهُمْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خَزَفًا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَدَّبَهُ لِيَكُونَ رَدْعًا لِغَيْرِهِ.

.الْبَابُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْفاخَرانِيّينَ وَالغَضّارِينَ:

يَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا ثِقَةً بَصِيرًا بِعَمَلِهِمْ وَتَدْلِيسِهِمْ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَعْمَلُوا الزَّبَادِيّ إلَّا مِنْ الْحَصَى الْمَطْحُونِ وَلَا يَعْمَلُوا مِنْ الرَّمَلِ إلَّا مَا كَانَ خَرَجِيًّا الْمُتَّخَذُ لِوَلَائِمِ الْأَفْرَاحِ وَأَنْ تَكُونَ الزُّبْدِيَّة مُعْتَدِلَةً وَأَنْ تَكُونَ قَالِبَ الْعَادَةِ وَأَنْ تَكُونَ كَامِلَةَ الدُّهْنِ وَأَنْ يُعْمِلَ فِي صِبَاغِ الزَّبَادِيّ الْقَلْيَ الْأَزْرَقَ وَالتَّوْبَانُ وَالْمَغْنِيزُ وَلَا يُعَوِّضُوهُ بِالنِّيلَةِ وَالشَّوْكَسِ وَأَنْ يَكُونَ شَيْئًا تَامًّا لِئَلَّا يُوضَعَ فِيهَا الطَّعَامُ وَتُشَالُ فَتَتَفَتَّتُ فِي يَدِ الْآخِذِ أَوْ الْمُعْطِي، وَإِذَا ظَهَرَ مِنْ الْكُوزِ شَيْءٌ مَعِيبٌ أَفْرَدُوهُ وَبَاعُوهُ لِغَيْرِ الطَّعَامِ وَلَا يُدَاوُوهُ وَيُدَلِّسُوا بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا أَلَّا يَقِدُوا عَلَيْهِ بقوسان وَهُوَ رَوْثُ الْآدَمِيِّ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَزْبَالِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ بَلْ بِالْحَلْفَاءِ وَالْقَيْشَةُ وَهِيَ قِشْرُ الْأُرْزِ وَمَا أَشْبَهَهُ.
وَيَشْتَرِطُ عَلَى بَاعَةِ الْغَضَارِ أَلَا يُبَاعَ غَضَارُ الْكُوزِ إلَّا مُفْرَدًا مِنْ غَضَارِ التَّنُّورِ وَلَا يُخْلَطُ كُوزٌ بِتَنُّورٍ إلَّا مَا كَانَ مُتَقَارِبًا وَيُعَيِّنُهُ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَى الغَضّارِينَ إذَا جَاءَهُمْ الزُّبُونُ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ مِائَةَ جَامٍ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى أَنَّهُ يُرِيَهُ جَامًا وَاحِدًا وَيَبِيعُهُ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ ثُمَّ يُعْطِيه مِنْ غَيْرِهَا وَهَذَا تَدْلِيسٌ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ الْمَبِيعَ بِكَمَالِهِ وَيُعَاقِدَهُ عَلَيْهِ وَيَشْتَرِطَ عَلَى الْحَمَّالِينَ مُعَاوَنَةَ الزُّبُونِ مِنْ الْغُرَبَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَأَنْ يَسْتَوْفُوا لَهُمْ حُقُوقَهُمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْأَصْبَاغِ وَقَلْعِ الْمَعِيبِ وَعِدَّةِ مَا يَشْتَرِيه.

.الْبَابُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْأَبَّارِينَ والمسلاتيين:

يُعَرِّفُ عَلَيْهِ رَجُلًا ثِقَةً أَمِينًا مِنْ أَهْلِ صِنَاعَتِهِمْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَخْلِطُوا الْإِبَرَ الْفُولَاذَ مَعَ الأرمهان لِأَنَّهَا إذَا سُنَّتْ جَازَ أَنْ تَخْتَلِطَ بِالْفُولَاذِ الدِّمَشْقِيِّ بَلْ يَكُونُ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ وَيُحَلِّفُ الصُّنَّاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَصْلَحُ الْإِبَرِ عِنْدَهُمْ الْخَيَّاطِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى عِنْدَهُمْ الْمُسَوَّدَةَ وَهِيَ تُسَنُّ ثَلَاثَ دَفَعَاتٍ وَتُصْقَلُ وَأَحْسَنُهَا الْمُدَوَّرَةُ الْعَيْنِ وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا بِأَنْ تُؤْخَذَ الْإِبَرُ وَتُحْمَى فِي النَّارِ وَتُطْفَى فَإِنَّ الْفُولَاذَ إذَا حُمِيَ ثُمَّ طُفِيَ يُقْصَفُ وَغَيْرَ الْفُولَاذِ إذَا حُمِيَتْ وَطُفِيَتْ ازْدَادَتْ لِينًا فَيَجِبُ عَلَى فَاعِلِهِ الْأَدَبُ.
وَأَمَّا المسلاتيين فَيُؤْخَذُ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَعْمَلُوهَا إلَّا مِنْ الْفُولَاذِ أَوْ الْحَدِيدِ الأرمهان وَأَعْلَى الْمِسَلَّاتِ الْفُولَاذُ وَهِيَ أَصْنَافٌ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ وَضَرِيبَتَهَا لِيَكُونَ اعْتِمَادُ الْمُحْتَسِبِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَهِيَ الْحِزَامِيَّةُ وَالْمَزَابِلِيّةُ كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْهَا زِنَتُهَا رِطْلٌ وَاحِدٌ بِالْمِصْرِيِّ وَالْمُحَيَّرَة والفقاعية كُلُّ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا زِنَتُهَا رِطْلٌ وَاحِدٌ وَالْخَيَّاطِيَّةُ والنقشية كُلُّ مِائَةٍ زِنَتُهَا رِطْلٌ وَاحِدٌ وَالرِّكَابِيَّةُ كُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ زِنَتُهَا رِطْلٌ وَاحِدٌ والمكانسية وَمِسَلَّاتُ التَّضْرِيبِ كُلُّ أَرْبَعَةٍ زِنَتُهَا رِطْلٌ وَاحِدٌ وَالْكَفِيَّة كُلُّ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ زِنَتُهَا رِطْلٌ وَاحِدٌ وَالْخَرْجِيِّةُ والأبارية كُلُّ مِائَةِ مِسَلَّةٍ مِنْهَا زِنَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى المرادنيين:

لَا يُمَكِّنُ الْمُحْتَسِبُ أَحَدًا يَجْلِسُ لِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ إلَّا مَنْ شُهِرَ بِالْأَمَانَةِ وَالدِّينِ وَالْعِفَّةِ وَالصَّلَاحِ فَإِنَّ أَكْثَرَ مُعَامَلَتِهِمْ مَعَ النِّسْوَانِ وَأَيْضًا يُؤْخَذُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَ خَشَبَ الْمَرَادِنِ إلَّا مِنْ خَشَبِ الساسم أَوْ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ الْأَحْمَرِ السَّالِمِ مِنْ الْغَرَقِ وَالسُّوسِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ غَرِيقًا وَبُرِمَتْ بِهِ الْمِرْآةُ انْكَسَرَ لِوَقْتِهِ وَكَذَلِكَ النُّحَاسُ الَّذِي فِيهِ فَيَكُونُ مِنْ النُّحَاسِ الْأَصْفَرِ الْمَضْرُوبِ وَلَا يَعْمَلُوهُ مَنْفُوخًا وَيُلْزَمُوا بِأَنْ يَعْمَلُوهُ صَامِتًا وَأَجْوَدُ نُحَاسٍ الْمَرَادِنُ كُلُّ رِطْلٍ سَبْعُونَ مِرْدَنًا وَالْخَرْجِيُّ فَكُلُّ ثَمَانِينَ رِطْلٌ وَاحِدٌ وَيَرْقُبُوا اللَّهَ تَعَالَى فِي مُعَامَلَتِهِمْ مَعَ النِّسْوَانِ وَغَيْرِهِنَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.الْبَابُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحِنَّاوِيِّينَ:

وَغِشِّهِمْ يَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا بَصِيرًا بِصِنَاعَتِهِمْ عَارِفًا بِغِشِّهِمْ وَتَدْلِيسِهِمْ وَيُؤْخَذُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَبِيعُوهُ إلَّا سَالِمًا مِنْ الْعَيْبِ وَالرَّمْلِ وَالْجَرِيشِ وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنَّ الْمَغْشُوشَ بِالرَّمْلِ وَالزَّيْتِ الْحَارِّ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْغَرْبَلَةِ فَإِنَّ الْجَرِيشَ وَالرَّمْلَ يَطْلُعُ فِي أَعْلَى الْغِرْبَالِ وَأَيْضًا إذَا أُخِذَ مِنْ الطَّيِّبِ السَّالِمِ مِنْ الْغِشِّ قَدَحٌ وَوُزِنَ وَأُخِذَ مِنْ الْمَغْشُوشِ قَدَحٌ وَوُزِنَ كُلٌّ عَلَى حِدَتِهِ فَيَظْهَرُ ثِقَلُ الْمَغْشُوشِ.

.الْبَابُ السِّتُّونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْأَمْشَاطِيِّينَ:

يُؤْخَذُ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَعْمَلُوا الْأَمْشَاطَ الرِّجَالِيَّةَ وَالنِّسَائِيَّةَ إلَّا مِنْ خَشَبِ الْبَقْسِ الرُّومِيِّ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ مَا يُعْمَلُ لِهَذَا وَأَنْ لَا يَكُونَ أَخْضَرَ فَإِنَّهُ إذَا عَمِلَهُ أَخْضَرَ ثُمَّ جَفَّ يَتَعَوَّجُ وَيَنْكَسِرُ، وَأَعْلَاهُ مِشْطُ الذَّبْلِ وَمَتَى عُمِلَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَشَبِ كَخَشَبِ النَّارِنْجِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ فِي تَسْرِيحِهِ شَعَرَاتٌ مِنْ الْخَشَبِ يَنْتِفُ شَعْرَ الْآدَمِيِّ وَيُلْزَمُ الصُّنَّاعُ بِالصِّنَاعَةِ الْجَيِّدَةِ وَأَنْ يَكُونَ صَحِيحَ الشَّرْح وَيَكُونَ مُدَّةً قَائِمًا عَقِبَ الْقَطْعِ مَعَ صِحَّةِ إنْزَالِهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَى الْمُخَرَّزَةِ لِأَنَّهَا لَا تَمْشِي إلَّا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَصِحُّ التَّبْطِينُ بِأَنْ يَكُونَ فَمُهُ رَقِيقًا حَتَّى تَرِقَّ رُءُوسُ الْأَسْنَانِ فَيَنْزِلُ فِي الشَّعْرِ حَادَّةً مَعَ تَدْوِيرِ الْحُرُوفِ بالرندك وَيُتَجَنَّبُ الشَّعَثُ.

.الْبَابُ الحَادِي وَالسِّتُّونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى مَعَاصِرِ الشَّيْرَجِ وَالزَّيْتِ الْحَارِّ:

يَنْبَغِي أَنْ يُعَرَّفَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ ثِقَةٌ بَصِيرٌ بِصِنَاعَتِهِمْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا السِّمْسِمَ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ وَتَخْلِيَتِهِ وَتَحْمِيصِهِ وَدَقِّهِ حَتَّى تَطِيرَ قِشْرَتُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَطْحَنُهُ وَلَا يُمَكِّنَ أَحَدًا مِنْ الصُّنَّاعِ أَنْ يَنْزِلَ يَعْصِرُ الشَّيْرَجَ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ بِالْمُحِكَّةِ وَطَهَارَتِهَا وَأَنْ يَكُونَ فِي وَسَطِهِ ثِيَابٌ ضَيِّقَةُ الْأَكْمَامِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْرَقَ فَيَقْطُرُ مِنْ عَرَقِهِ شَيْءٌ وَأَنْ يَكُونَ مُلَثَّمًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَيَقَعُ مِنْ بُصَاقِهِ شَيْءٌ فِي عَجِينِ الشَّيْرَجِ وَيُلْزِمُهُمْ بِالنَّظَافَةِ وَالطَّهَارَةِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ وَيُغَطُّوا الْمَعَاجِنَ بِالْأَبْرَاشِ بَعْدَ الْعَمَلِ، وَيُعَايِرُ الْجِرَارَ الَّتِي لَهُمْ لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ الصَّيْفِ فَإِنَّهُ يَخِفُّ وَزْنُهَا وَعِيَارَةُ الْجَرَّةِ بِالرِّطْلِ الْمِصْرِيِّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا وَرُبْعُ رِطْلٍ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا عَصَّارُو الزَّيْتِ الْحَارِّ فَيُؤْخَذُ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَعْصِرُوا بِزْرَ الْكَتَّانِ إلَّا أَنْ يَقْلُوهُ لِتَطْهُرَ رَائِحَتُهُ فَإِنَّهُمْ إذَا عَصَرُوهُ نِيًّا خَفِيَتْ رَائِحَتُهُ وَدَلَّسُوا بِخَلْطِهِ بِالزَّيْتِ الْحُلْوِ وَيَكُونُ صِقَالَةُ الْحَارِّ الْبِزْرِ خَالِصَةً وَزَيْتُ الْقُرْطُمِ يَضُرُّ بِالنِّسَاءِ الْحَوَامِلِ إذَا أَكَلْنَهُ وَيُسْقِطُ شُعُورَهُنَّ وَقَدْ يَخْلِطُهُ مَنْ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ فِي الزَّيْتِ الطَّيِّبِ وَالشَّيْرَجِ عِنْدَ غُلُوِّهِ وَنَفَاقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَيُعَايِرُ قُلَلَهُمْ وَأَقْسَاطَهُمْ وَزِنَةُ الْقُلَّةِ بِالْقِنْطَارِ الْمِصْرِيِّ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا بِمَدِينَةِ مِصْرَ خَاصَّةً وَغَيْرِهَا مِائَةٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ رِطْلًا وَزِنَةُ الْقِسْطِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْمِصْرِيِّ وَالْقُلَّةُ ثَمَانِيَةٌ.